لعلك في طفولتك كنت تشاهد صور الطبيعة تمتزج بأسطح البيوت الحمراء والتلال الخضراء تحيط بكل البيوت في الصورة، في أغلب هذه الحالات تكون هذه الصورة قد التقطت في دول البلقان، صحيح أن دول البلقان ليست مشهورة مثل باقي دول أوروبا – بل حتى يسأل البعض أسئلة مثل “أين تقع البوسنة؟”- إلا أن لها سحر خاص، ويكمن هذا السحر في أن غلب دول البلقان متشابهة ولكن مع ذلك لكل دولة منهم شخصية تعطيك شعورا مختلفا عند زيارتها.
في الشمال تجد كرواتيا تزدحم بالسياح، وعلى الناحية الأخرى من الحدود أخيرا نجد البوسنة، جوهرة البلقان، العديد لا يذكرها إلا بالحرب، خاصة العرب لارتباطهم الديني بها ولأن رئيس البوسنة والهرسك خلال فترة الحرب في التسعينات “علي عزت بيجوفيتش” كان يحظى بشعبية واسعة وسط الشعوب العربية. ولكن ما يوقعك أكثر في حب البوسنة هو أنها تخطت الكثير من الصعاب على مر التاريخ ليس فقط الحروب بل أيضا الخلافات الدينية، ففي مكان واحد يعيش المسلمون بأغلبية ولكن ليست ساحقة، يليهم المسيحيون الأرثوذوكس والمسيحيون الكاثوليك واليهود، حتى أن سراييفو لقبت “بقدس أوروبا”، ناهيك عن الاختلافات الإثنية بين البوشناق والصرب والكروات الذين يعيشون معا في تناغم في بلد صغير نسبيا تبلغ مساحته حوالي الـ 51 ألف كم مربع فقط.
في هذا المقال سنأخذك في جولة حول البوسنة من جميع النواحي مثل موقعها الجغرافي وما هو شكل علم البوسنة وأهم المناطق السياحية في البوسنة وغيرها لذلك كن جاهزا لنأخذك في رحلة حول هذا البلد الممتع!
في قلب البقان وفي جنوب شرق أوروبا تحدها كرواتيا من الشمال والغرب والجنوب الغربي، وجمهورية صربيا من الشرق، والجبل الأسود من الجنوب الشرقي، وتعتبر من الدول الأوروبية الصغيرة حيث تبلغ مساحتها 51.129 كم2، يبلغ عدد سكانها (3.867.055) نسمة، يشكل البوشناق (المسلمين) 50.5% والصرب (31.8%)، والكروات (14.2%) ، وتشكل بقية الأقليات (3.5%) من السكان.
و يبلغ عدد سكان العاصمة “سراييفو” وحدها حوالي 492.983 نسمة.
عملة البوسنة الرسمية هي المارك البوسني ويبلغ سعره وقت كتابة هذا المقال حوالي 2 ريال سعودي ما يجعل البوسنة خيارا سياحيا اقتصاديا للسعوديين.
تتمتع البوسنة والهرسك بمناخ معتدل طوال العام، مما يجعلها وجهة سياحية مثالية في جميع الفصول. في فصل الصيف، يكون الطقس دافئًا مع درجات حرارة تتراوح بين 20 إلى 30 درجة مئوية، مما يتيح للزوار الاستمتاع بالطبيعة الخلابة والشلالات والجولات الخارجية. أما في الشتاء، فيتميز الطقس ببرودة معتدلة خاصة في المدن الرئيسية مثل سراييفو وموستار، حيث تكون درجات الحرارة في البوسنة غالبًا بين 0 و5 درجات مئوية. كما أن الثلوج التي تغطي المناطق الجبلية، مثل جبل بيلاسنيتسا، تضفي لمسة ساحرة على المناظر الطبيعية، وتوفر بيئة مثالية لعشاق التزلج والرياضات الشتوية. بفضل هذا الطقس المعتدل والتنوع في الأنشطة التي تقدمها البوسنة، يمكنك زيارتها والاستمتاع بجمالها في أي وقت من العام.
مرت البوسنة والهرسك بالكثير من التغييرات ومعها علم البوسنة ولذلك دعنا نختصر الحكاية إلى العلم الذي تستخدمه البوسنة الآن. إذا ما نظرنا إلى صورة العلم نجد أن أكثر ما يبرز فيه هو المثلث الأصفر وتحته سبعة نجوم بيضاء وخلفية بلون أزرق.
ترمز الرؤوس الثلاثة للمثلث إلى الأعراق الثلاثة الموجودة في البوسنة والهرسك، الصرب، والكروات، والبوشناق، أم اللون الأصفر فيرمز للسلام بين جميع هذه الأعراق، ويعتقد البعض أيضا أن المثلث يرمز إلى شكل خريطة البوسنة لأنها تشبه إلى حد ما المثلث، أما النجوم البيضاء والخلفية الزرقاء فهي ترمز إلى أروباز
سراييفو ليست كأي مدينة أوروبية تدرك هذا عند تجربتك السياحة في البوسنة لأول مرة، حتى من قبل أن تدخل المدينة تخطف عينيك التلال التي تحيط بها والقلعة الصفراء تراقب المدينة القديمة من أعلى جرف Jekovac، وكلما اقتربت أكثر من قلب المدينة وجدت جدران البيوت ما تزال تعاني من ثقوب الرصاص كشاهد على آخر حروب أوروبا في التسعينات التي شكلت خريطة البوسنة مع جيرانها، مرت المدينة بحصار دام مدة أربعة سنوات تدمرت خلاله أكثر من ثلاث أرباع مباني المدينة وبنيتها التحتية بالكامل!
لا يستغرب المرء أنه وبعد أقل من ثلاثة عقود على الحرب جاءت سراييفو من بعيد لتصير أشهر المناطق السياحية في البوسنة، فمع تاريخ كتاريخ البوسنة عموما وتاريخ سراييفو خصوصا فهذه المدينة معتادة على الأحداث التاريخية. من قبل الميلاد والمدينة مأهولة بالحضارات فمثلا نجد في كهف “بادانج” أثر على وجود الإنسان هنا في هذه الفترة، ثم جاءت الحضارة السلافية والفتح العثماني مرورا بكون أبناء المدينة هم من أشعلوا فتيل الحرب العالمية الأولى.
كل هذه الأحداث أعطت المدينة تاريخا غنيا ولا نبالغ حين نقول أن كل شارع في سراييفو يحكي قصة تاريخية. السياحة في البوسنة عموما وسراييفو عاصمة البوسنة خصوصا تجربة لا يمكن نسيانها وإليك أهم المعالم التي لا يمكن تفويتها في سراييفو:
جسر لاتين هو واحد من أشهر المعالم التاريخية في سراييفو وأحد أقدم الجسور الحجرية في المدينة، يعبر نهر ميلياتسكا ليكون شاهدًا على أحداث غيّرت مجرى التاريخ. يرتبط الجسر بالحدث المأساوي الذي أشعل الحرب العالمية الأولى، حيث تم اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند وزوجته صوفي على مقربة منه عام 1914. تم بناء الجسر في الأصل خلال الحقبة العثمانية، ليعيد النمساويون المجريين ترميمه لاحقًا. يتميز الجسر بجمال تصميمه البسيط وتاريخه الغني الذي يجذب عشاق التاريخ والسياسة. يقع بالقرب منه متحف سراييفو 1878–1918، حيث يمكن للزوار استكشاف تفاصيل تلك الفترة من تاريخ المدينة. يعد الجسر نقطة انطلاق مثالية لاستكشاف وسط سراييفو، بما في ذلك أسواقها وشوارعها النابضة بالحياة.
نفق الحياة في سراييفو هو رمز للصمود والشجاعة خلال سنوات الحصار القاسي (1992-1995) أثناء الحرب البوسنية. يمتد النفق تحت مطار سراييفو بطول 800 متر، وكان يربط المناطق المحاصرة بالجزء الخارجي الخاضع للسيطرة البوسنية، مما جعله شريان الحياة الوحيد للمدينة. استُخدم النفق لنقل الإمدادات الغذائية والدوائية والوقود، وكان يُعتبر ملاذًا للأمل للسكان المحاصرين. اليوم، يمكن للزوار استكشاف جزء من النفق المفتوح للجمهور كجزء من متحف نفق الحياة. يعرض المتحف وثائق وأفلامًا وصورًا تروي قصصًا إنسانية مؤثرة عن البقاء والتحدي. تجربة زيارة النفق تضعك في أجواء تعكس الظروف الصعبة التي عاشها سكان سراييفو، مما يجعله مكانًا مليئًا بالرمزية والعاطفة.
حي باشارشيا هو القلب التاريخي والثقافي لمدينة سراييفو، ويمثل مزيجًا ساحرًا من الطابع العثماني والبوسني. تأسس الحي في القرن الخامس عشر كمركز تجاري خلال الحكم العثماني، وما زال يحتفظ بسحره التقليدي حتى اليوم. يتميز باشارشيا بشوارعه الضيقة المرصوفة بالحجارة، والمليئة بالمحلات التي تعرض الحرف اليدوية المحلية، مثل الأواني النحاسية والسجاد والهدايا التذكارية. في وسط الحي تقع نافورة سبيلج، رمز المدينة، وهي نافورة خشبية عثمانية تضفي جمالًا خاصًا على المكان. يضم الحي معالم بارزة مثل مسجد غازي خسرو بك، أحد أقدم المساجد في البلقان، وبرج الساعة، الذي يُعد مثالاً على العمارة العثمانية. باشارشيا ليس فقط مكانًا للتسوق أو التجول، بل هو تجربة ثقافية متكاملة؛ حيث يمكن للزوار تذوق القهوة البوسنية الشهيرة وتجربة أطباق محلية مثل الكباب والفطائر البوسنية، والاستمتاع بالأجواء الشرقية الأصيلة.
كنا قد كتبنا مقالا كاملا عن عاصمة البوسنة سراييفو يمكن أن تراجعوه للمزيد من التفاصيل
جبل بيلاسنيتسا هو وجهة سياحية رائعة تقع جنوب غرب سراييفو، ويُعتبر من أشهر الأماكن الجبلية في البوسنة والهرسك. يتميز الجبل بجماله الطبيعي وأنشطته المتنوعة التي تناسب جميع الفصول، مما يجعله مكانًا مثاليًا لمحبي الرياضة والمغامرات أو الباحثين عن الاسترخاء في أحضان الطبيعة. الجبل مشهور بارتباطه بالألعاب الأولمبية الشتوية لعام 1984، حيث كان موقعًا رئيسيًا لمنافسات التزلج.
كونيتس هي مدينة تاريخية وجميلة تقع على نهر نيريتفا، وتشتهر بجسرها العثماني القديم وطبيعتها الخلابة. تجمع المدينة بين جمالها الطبيعي وتاريخها العريق، مما يجعلها وجهة مثالية لعشاق المغامرات والباحثين عن تجربة تاريخية وثقافية مميزة.
مدينة موستار هي واحدة من أجمل المدن في البوسنة والهرسك، وتشتهر بجسرها العثماني “ستاري موست”، الذي يُعد رمزًا للمدينة وموقعًا تراثيًا عالميًا. تتميز المدينة بجوها الساحر ومزيج الثقافات الشرقية والغربية، فضلاً عن نهر نيريتفا الذي يضفي جمالًا فريدًا على المدينة.
بيهاتش هي مدينة جميلة تقع شمال غرب البوسنة، وتعتبر البوابة الرئيسية إلى منتزه أونا الوطني، الذي يضم شلالات مذهلة وطبيعة ساحرة. يشتهر المنتزه بنهر أونا ذو المياه الفيروزية، مما يجعله وجهة مثالية لمحبي الطبيعة والأنشطة الخارجية.
بطيعة الحال لا نسطيع أن نكتب عن جميع المناطق السياحية هنا في هذا المقال ولكن سنحيلكم إلى مقال آخر قد كتبناه ملئ بالتفاصيل الشيقة عن السياحة في البوسنة والهرسك.
كما أسلفنا في المقدمة فإن البوسنة والهرسك مرت بتغيرات ثقافية كثيرة وهي أصلا بها العديد من الأعراق والإثنيات لذلك يمكنك أن تتوقع تنوع كبير بين الأطباق والأكلات الشعبية. صحيح أن المطبخ البوسني ليس بشهرة مطابخ مثل المطبخ الفرنسي والإيطالي إلا أنه يحظى بتقدير بين الطهاة والذواقة العالميين، ويقع في حبه جميع الزوار، وإليك قائمة بأشهر الأطباق الشعبية في البوسنة التي يجب أن تجربها عند وصولك البوسنة!
الوصف: الكباب البوسني هو الطبق الأكثر شهرة في البوسنة، وهو عبارة عن أصابع من اللحم المفروم المشوي تقدم مع خبز خاص يسمى “سومون” (Somun) والبصل النيء. يعود هذا الطبق إلى التأثير العثماني على المطبخ البوسني. يتميز بنكهة لحم مشوي مميزة وطراوة تجعله مفضلًا للسكان المحليين والزوار على حد سواء. يمكن تناول الكباب البوسني في كل مكان، من المطاعم الفاخرة في سراييفو إلى أكشاك الطعام في الأسواق التقليدية.
الوصف: فطائر محشوة باللحم المفروم، أو الجبن، أو البطاطس، أو السبانخ، تُخبز باستخدام عجينة رقيقة. البوريك يُعد جزءًا أساسيًا من المطبخ البوسني، وهو مناسب كوجبة خفيفة أو إفطار. تستطيع أن تجده بكل سهولة في المخابز المحلية والأسواق الشعبية.
العسل البوسني هو منتج طبيعي عالي الجودة، يُعتبر من الأفضل في العالم بفضل بيئة البلاد الطبيعية الغنية بالنباتات البرية. يعتمد إنتاجه على تقاليد تربية النحل التي تمتد لعقود، مع التزام كامل باستخدام الطرق التقليدية.
لا يمكننا القول بأن البوسنة تخلو من العيوب ولكن عيوبها أقل بكثير من عيوب الدول الأوروبية الأكثر شهرة حتى ولذلك إليك بعض التنبيهات التي يجب أن تأخذها في اعتبارك قبل السفر للبوسنة:
يمكنك التغلب على كل هذه المشاكل ببساطة إذا حجزت معنا برنامج البوسنة 10 أيام
في النهاية البوسنة والهرسك ليست مجرد وجهة سياحية، بل هي تجربة ثقافية وتاريخية فريدة تجمع بين جمال الطبيعة وسحر التقاليد والضيافة الأصيلة. من مدنها النابضة بالحياة مثل سراييفو وموستار إلى قراها الجبلية الهادئة وشلالاتها الساحرة، تقدم البوسنة مزيجًا مثاليًا لكل أنواع السياح، خاصة العرب والسعوديين سواء كنت من محبي التاريخ أو الطبيعة أو المأكولات الشهية.
ولعل ما يميز البوسنة هو قدرتها على استقبالك بترحاب رغم التحديات التاريخية التي واجهتها، مما يمنحك شعورًا دافئًا بأنك في وطن بعيد عن وطنك. فإذا كنت تبحث عن وجهة تجمع بين الجمال والهدوء والتنوع الثقافي، فإن البوسنة هي خيارك الأمثل. جهّز حقائبك واستعد لاكتشاف هذا البلد الساحر الذي سيترك بصمة لا تُنسى في ذاكرتك.
تصقح برامجنا السياحة :